تحرص المؤسسات المالية الدولية في مراجعاتها الدورية للأوضاع الاقتصادية للدول الأعضاء على تقييم شمولية الخدمات المالية لكافة فئات المجتمع. وتهدف هذه التقييمات إلى التأكد من أن الوصول إلى الخدمات المالية هو في متناول الجميع، ووفقًا لإجراءات ميسرة وتكاليف غير مرهقة. وتشير تقارير هذه المؤسسات إلى أن شمولية الخدمات المالية في كثير من الدول العربية تحتاج إلى مزيد من التحسين والتطوير.
وسواء تعلق الأمر بملكية الأفراد في أسهم الشركات والمؤسسات، أو تعلق الأمر بالتمكن من فتح والاحتفاظ بحسابات مصرفية، فإن الشريحة المعنية بهذه الأمور من فئات المجتمع لا تزال - حسبما يبدو - محدودة، حيث إن أعدادًا مهمة من أفراد المجتمع لا يملكون أي أسهم في الشركات والمؤسسات، كما أن أعدادًا أخرى ليس لديهم حتى حسابات مصرفية.
وبدلًا من العمل على تحسين هذا الوضع، نجد أن بعض المؤسسات والشركات تعمل على عكس ذلك، من خلال استبعاد والتخلص من صغار المستثمرين عن طريق الطلب منهم إما زيادة حصة مساهمتهم - الأمر الذي قد لا يكون في مقدرتهم المالية - أو بيع حصتهم، وبالتالي تنحصر الملكية على فئات محدودة من كبار المستثمرين.
هذا ينطبق على ما تسعى إليه بعض المؤسسات المصرفية عندما تطلب من عملائها أن يرفعوا الحد الأدنى لرصيد حساباتهم أو تطبق عليهم رسومًا إضافية. وغني عن الذكر أن مثل هذا الإجراء من شأنه إما زيادة الأعباء المالية على المتعاملين أو التخلص من غير القادرين على تحمل هذه الأعباء.
وهنا لا بد أن نشيد بموقف مصرف الإمارات المركزي من هذا الموضوع، حيث علّق المصرف المركزي طلب رفع الحد الأدنى لحسابات العملاء. وسواء تعلق الأمر بحصر ملكية أسهم الشركات دون صغار المستثمرين أو حصر التعاملات المصرفية على كبار الزبائن والميسورين، فإن ذلك لا يخدم - حسبما يبدو - المصلحة العامة؛ وذلك لاعتبارات عدة:
أولًا، من المفيد، ومن المستحسن أيضًا، توسيع رقعة ملكية المؤسسات الاقتصادية على أكبر شريحة ممكنة من السكان. هذا ليس فقط من باب تحقيق الديمقراطية الاقتصادية، ولكن أيضًا لخلق اهتمام ومصلحة لدى أكبر عدد ممكن من الأفراد في مؤسسات وشركات بلدانهم.
إن نسبة الذين يملكون أسهمًا في الشركات والمؤسسات العاملة في المنطقة العربية تبدو متواضعة مقارنة بما هو حاصل في الدول المتقدمة. ففي أمريكا - على سبيل المثال - تصل نسبة الذين يمتلكون أسهمًا في الشركات الأمريكية إلى ما يزيد على 62 % من السكان. هذا لا يعني أن هذه النسبة هم بالضرورة من الأغنياء، بل إن كثيرًا من الأفراد العاديين يمتلكون أسهمًا في الشركات العاملة في أمريكا. بالتأكيد، إن الإجراءات المعمول بها تساعد وتشجع على دخول الأفراد في ملكية هذه الشركات. وبالطبع، فإن التوعية لها دور مهم في هذا الوضع، كذلك فإن التشريعات الخاصة بالشركات يمكنها أن تساعد أيضًا في هذا الشأن.
إن تملك الأفراد لأسهم الشركات - بالإضافة إلى كونه أحد الأنشطة الاستثمارية التي يمكن أن تحقق بعض الإيرادات - فإنه يعمل كذلك على ربط مصالح الأفراد الشخصية مع مصالح البلد الاقتصادية. لا ننسى أيضًا أن توسيع قاعدة ملكية صغار المستثمرين له جوانب اجتماعية إيجابية أيضًا، حيث كلما كبرت شريحة الأفراد الذين يشاركون في ملكية المؤسسات الاقتصادية، كلما قلّ تركز الثروة في أيدٍ قليلة ومحدودة، وبالتالي تحقق - وفقًا لذلك - توزيع أفضل للدخل بين فئات المجتمع الواحد.
لذلك، ينبغي العمل على تسهيل دخول صغار المستثمرين في ملكية الشركات والمؤسسات، من خلال تجزئة الأسهم المتاحة بحيث تصبح أسعارها في متناول أكبر عدد من الأفراد. كذلك نحتاج إلى بذل جهد أكبر في مجال التوعية والشرح وتبسيط الإجراءات الخاصة بدخول أو خروج الأفراد من مثل هذا التملك، الذي ينبغي أن يكون قائمًا على الثقة والوضوح والتعامل السليم.
هذا ينطبق على المتعاملين مع المؤسسات المالية، حيث نحتاج إلى ضمان وصول الخدمات المالية إلى أكثر قطاعات ممكنة من المجتمع، مع تبسيط كثير من الإجراءات وتذليل العوائق والعقبات، وخاصة على صعيد الرسوم والتكاليف.
إنه من المفترض أن لا يكون هناك تعارض بين مصلحة المؤسسات والمصلحة العامة. ومن حسن الحظ أن هناك جهات رقابية تضمن تحقيق الانسجام وتمنع وقوع الزلات أو الاختلالات التي تضر بالمصلحة العامة. إن العمل وفقًا لمبادئ الاقتصاد الحر وقواعد النظام الرأسمالي يحتاج بالتأكيد إلى ضوابط، كالحصان الجامح لا يكون مفيدًا إلا إذا أُحسن ترويضه.