العدد 6105
الأربعاء 02 يوليو 2025
banner
الشباب الخليجي والاستثمار في الأسواق المالية: فرصة لبناء المستقبل
الأربعاء 02 يوليو 2025

 شهدت أسواق الأسهم في دول مجلس التعاون الخليجي خلال السنوات الأخيرة تحوّلًا نوعيًا يعكس نضوجًا متسارعًا في البنية الاقتصادية والمالية للمنطقة. وبينما تتجه دول الخليج نحو تنويع مصادر الدخل وتعزيز الشفافية وتوسيع قاعدة المستثمرين، فإن الفرصة باتت سانحة أمام الجيل الشاب للانخراط في الاستثمار طويل الأجل والمساهمة الفعلية في صياغة ملامح المستقبل الاقتصادي للمنطقة.
 في الفترة ما بين 2021 و2024، أثبتت الأسواق الخليجية قدرتها على التكيّف والنمو رغم التحديات العالمية، متجاوزة العديد من نظيراتها في الأسواق الناشئة. فقد حقق مؤشر السوق السعودية “تداول” أداءً متميزًا، مدعومًا بارتفاع أسعار النفط والإصلاحات الاقتصادية ضمن رؤية 2030. كما اجتذبت أسواق الإمارات، اهتمامًا واسعًا من المستثمرين العالميين بفضل السياسات التنظيمية الحديثة وزيادة عمق السوق. وبحسب البيانات المعلنة، تجاوزت القيمة السوقية المجمعة لأسواق دول الخليج 4 تريليونات دولار، وهو ما يعكس ثقة المستثمرين ونضج البيئة الاستثمارية. هذا النمو لم يكن مدفوعًا فقط بالعوامل الاقتصادية، بل أيضًا بالتحول في ثقافة الشركات وتوجهها نحو الإدراج والانفتاح على المستثمرين.
من أبرز مظاهر النشاط في الأسواق الخليجية مؤخرًا، الطفرة اللافتة في الاكتتابات العامة الأولية. فقد شهدت المنطقة إدراج شركات عملاقة مثل أرامكو، هيئة كهرباء ومياه دبي (ديوا)، أدنوك غاز، أمريكانا، سالك، وسال للخدمات اللوجستية، حيث تجاوز الاكتتاب في بعضها أضعاف المطلوب، في مؤشر واضح على حجم الطلب والثقة المتزايدة.  وكان اكتتاب شركة أرامكو، الأكبر في التاريخ، نقطة تحوّل محورية، حيث جمع أكثر من 29 مليار دولار، ومنح المستثمرين فرصة نادرة لامتلاك حصة في واحدة من أكثر الشركات ربحية على مستوى العالم. كما أسهمت هذه الاكتتابات في تعزيز السيولة، وتنويع القطاعات المدرجة، ورفع مستوى الحوكمة. 

 ولا يمكن الحديث عن أسواق المال الخليجية دون الإشارة إلى سوق البحرين المالي، الذي يتميّز بثباته التنظيمي وبيئته الجاذبة للمستثمرين الأفراد والمؤسسات على حد سواء. ورغم كونه من أصغر الأسواق الخليجية من حيث الحجم، إلا أنه يلعب دورًا مهمًّا في دعم الاقتصاد الوطني وتنويع مصادر التمويل. ويحتضن السوق عددًا من الشركات ذات العوائد المستقرة في قطاعات رئيسة كالمصارف والخدمات والاستثمار، كما يتمتع ببنية تحتية رقمية متطورة تواكب تطلعات الجيل الجديد من المستثمرين. ويُعد السوق البحريني منصة مناسبة للشباب المحليين الراغبين في الاستثمار ضمن بيئة مألوفة وذات شفافية عالية.

الاستثمار المبكر يمنح الشباب أفضلية زمنية للاستفادة من تراكم العوائد، وبناء ثروة على المدى الطويل. كما يُعد وسيلة فعالة لتحقيق الاستقلال المالي، وتوجيه المدخرات نحو قنوات منتجة. وتقدّم الأسواق الخليجية اليوم فرصًا متنوعة في قطاعات حيوية مثل الطاقة، البنوك، التقنية، الصحة، والخدمات، ما يتيح للمستثمرين الشباب تنويع محافظهم المالية وفقًا لمستوى المخاطرة المناسب لهم. ومع التوسع في استخدام التطبيقات الرقمية ومنصات التداول الإلكترونية، باتت عملية الاستثمار أكثر سهولة وشفافية، خاصة مع توفر برامج تعليمية متخصصة لتعزيز الوعي المالي لدى فئة الشباب.
 تشير التوقعات إلى إمكانية ارتفاع القيمة السوقية المجمعة لأسواق الخليج إلى ما بين 6 و8 تريليونات دولار خلال العقد المقبل، مدفوعة بمزيد من الإدراجات، وتحفيز الاستثمارات الأجنبية، واستمرار برامج الخصخصة.
تمثّل أسواق الأسهم الخليجية اليوم خيارًا استثماريًّا واعدًا بفضل ما تشهده من تطور مستمر ونمو في القطاعات الاقتصادية المختلفة. وإلى جانب كونها منصة مثالية للشباب للمشاركة الفعلية في مسيرة التحول الاقتصادي في منطقتهم، فإن إدراج هذه الأسواق ضمن المحافظ الاستثمارية يشكّل ركيزة أساسية في بناء استراتيجية تنويع متوازنة. فهي توفّر فرصًا تجمع بين النمو والعائد المستدام والتعرض لقطاعات حيوية يعرفها المستثمر ويفهم ديناميكيتها. فالمستثمر الذكي لا يوجّه استثماراته بعيدًا فقط، بل يستثمر أيضًا في الفرص القريبة منه، في أسواق تنمو أمامه، وضمن اقتصادات يعرفها، ويشكّل جزءًا من نسيجها الاجتماعي والاقتصادي.

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .

OSZAR »