العدد 6105
الأربعاء 02 يوليو 2025
banner
هل تراجع إيران خطابها السياسي؟
الأربعاء 02 يوليو 2025

كانت كل المؤشرات والشواهد توحي بأن طهران لم تكن تريد سوى قليل من حفظ ماء وجهها في المباحثات غير المباشرة الأولية التي جرت بينها وبين واشنطن،وذلك توطئة  لتغيير خطابها السياسي وسياساتها المتشددة في المنطقة، لكن الرئيس ترامب لم يكن يقبل أقل من إذلالها واستسلامها غير المشروط على شاكلة إذلاله للرئيس الأوكراني. والواقع ثمة عدة عوامل متسارعة ومتشابكة حملت إيران للتفكير جدياً في تغيير سياساتها: 

الأول : الهزيمة القاصمة الموجعة  التي مُني به ركيزته و حليفها الكبير في لبنان  "حزب الله" أمام إسرائيل في الجنوب والضاحية، وهو الحزب التي كانت إيران وراء فكرة تأسيسه، وأنفقت عليه بلا حدود، وفق التعبير غير الحرفي لأمينه العام الراحل السيد حسن نصر الله،من تسليح وتمويل احتياجاته المالية وأجهزته الإعلامية ورواتب جنوده، إلخ .

 الثاني: انهيار حليفها النظام السوري، والذي كانت بلاده المعبر الأساسي لتأمين وصول الأسلحة والأمدادات الإيرانية إلى حزب الله . 

الثالث: غموض المستقبل العسكري لحليفته الفلسطينية  "حماس " بعد فشل رهانها على "طوفان الأقصى" الذي تورط فيه جناحها العسكري، والذي أعطى مبرراً لسلطات الاحتلال لشن حرب إبادة على سكان غزة،  وما نجم عنها من محو تقريباً لعمران المدينة وإبادة عشرات الآلاف من سكانها وتهجيرهم وتشريد وتجويع من نجوا من محرقة الإبادة. 

الرابع: حالة الإنهاك القصوى التي بلغها الأقتصاد الإيراني، بفعل الحصار الأميركي والغربي الطويل المضروب على البلاد،والذي ظل  يدفع ثمن تكاليفه الباهظة الشعب الإيراني في المقام الأول. 

ومن هنا يمكننا في ضوء تلك العوامل المتقدم ذكرها فهم ما أبدته طهران من مرونة و استعداد لاجراء مفاوضات غير مباشرة جديدة مع واشنطن، ولم تكن بحاجة -كما قلنا- سوى قليل من حفظ ماء وجهها، حتى بالرغم من أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب هو نفسه الذي انسحب خلال ولايته الأولى من أتفاق 2015 مع إيران حول ملفها النووي بضمان الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا والأتحاد الأوروبي.ولكن تل أبيب وواشنطن لم تنتظرا ما ستسفر عنه الجولة السادسة من المباحثات التي كانت مقررة أن تعقد بعد يومين فقط من بدء الضربات الإسرائيليه على إيران والتي بررها وأيّدها على الفور ترامب وختمها بضرب مفاعلات فوردو ونطنز وإصفهان٠ 

وإذا ما اسثنينا تأثير ردود الصواريخ الباليستية الإيرانية النسيي التي ألحقت هذه المرة هلعاً وأضراراً لدى الجانب الإسرائيلي، فلعل واحداً من أهم أسباب لا مبالاة إسرائيل والولايات المتحدة بشن حروبهما في المنطقة أن كلتيهما لم تتأثرا بهما جبهتاهما الداخليتين مباشرة .أكثر من ذلك فإن الولايات المتحدة خاضت حربين عالميتين خارج حدودها. فيما خاضت روسيا على سبيل المثال تلكما الحربين على أراضيها. ومن هنا يمكننا أن نفهم أيضاً حذر الأتحاد السوفييتي الشديد من أن يجد نفسه في مجابهة مباشرة مع الولايات المتحدة، وخصوصاً في أعقاب أزمة الصواريخ الكوبية في زمن الحرب الباردة، وهذا ما يفسر رفضه الدخول في حرب 1967 إلى جانب مصر لكي لا يجد نفسه في مواجهة نووية مجدداً مع الولايات المتحدة، علماً بأن كليهما-الأتحاد السوفييتي والولايات المتحدة- كانا يمتلكان أكبر مخزون عالمي من الصواريخ النووية عابرة القارات.وهذه التجربة المريرة التي خاضها الأتحاد السوفييتي وما تكبده من خسائر فادحة في العمران والأرواح خلال الحرب العالمية الثانية ( 20 مليون قتيل ) هي التي حملت وزير خارجيته الشهير أندريه جروميكو على أن يردد دائماً مقولته الشهيرة: " أن تنفق عشر سنوات في المفاوضات أفضل من أن تخوض حرباً ولو يوماً واحداً».

مهما يكن فالراجح في تقديرنا أن إيران ستتعلم هذه المرة من دروس هزائمها القاسية في المنطقة ثم في المواجهة الأخيرة مع إسرائيل التي تلقت خلالها ضربات موجعة ، وأن تنتقل من إيران الثورة إلى إيران الدولة ، و أن تتخلى عن خطابها الثوري الخشبي المتقادم وتتبنى خطاباً سياسياً أكثر واقعية يأخذ بعين الإعتبار مصالح الدولة والشعب معاً. والمسألة ليست سوى مسألة وقت. 

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .

OSZAR »