العدد 6097
الثلاثاء 24 يونيو 2025
banner
الحرب!
الثلاثاء 24 يونيو 2025

 لم أتخيل أن يمد الله في عمري لكي أعيش نحو أربعة حروب وأنا على أرض الخلود، منذ الحرب العراقية الإيرانية حتى الحرب الإيرانية الإسرائيلية، مرورًا بالغزو العراقي لدولة الكويت الشقيقة وحرب تحرير الكويت. خلال الحروب الأربعة لم أشهد على القرب مني أو على البُعد عني حالة ذعر واحدة، الناس يتجولون في الأسواق، التلاميذ يواظبون على تحصيل دروسهم، المطاعم والمقاهي كاملة العدد، الأمن والأمان في كل مكان، الاطمئنان يملأ القلوب، والاتكال على الله عز وجل كان ديدن كل المراحل، حتى أسواق المال والبورصة الوطنية لم تتأثر بتداعيات تلك الحروب، لم ينهر الاقتصاد مثلما توقع بعض المتشائمين وضعاف النفوس، صحيح تأثرنا، وصحيح انعكست تداعيات الأوضاع السياسية والعسكرية على بعض القطاعات، لكن الصحيح أيضًا أننا كنا نخرج من كل حرب أقوى مما كان، أكثر شجاعة وتجربة بفضل ما رأيناه وتعايشنا معه.
كان ومازال إيماننا بالله كبيرًا، كنا ومازلنا على أهبة الاستعداد لمواجهة أي طارئ لا سمح الله، وها نحن اليوم ومنذ أكثر من عشرة أيام نعيش أجواء حرب شرسة بين إيران وإسرائيل، عدوان إسرائيلي على جارة مسلمة، ضربة أميركية لمنشآت نووية قريبة من حدودنا، منذ أكثر من عشرة أيام نعيش حالة الحرب على الهواء مباشرة، نعيش مع “السوشال ميديا” ضراوة حرب الشائعات، وقسوة العدوان والعدوان المضاد، وشراسة الأخبار والتحليلات المارقة وتلك العابرة للقلوب، والمهددة لأرواح أطفالنا وشيوخنا ونسائنا.

الحرب هي الحرب، دماء وابتلاء، كرب وبلاء، حالة استثنائية.. نعم، لكنها كابوس مفزع لا يمكن التعامل معه بالاستخفاف أو التغاضي أو عدم الحرص على الأرواح والممتلكات، من هنا تم تشكيل فرق للطوارئ، تشغيل تجريبي لصفارات الإنذار، العمل بما نسبته 70 % من قوة العمل في الوزارات والمؤسسات “أون لاين” وليس حضوريًا، حتى عطلة نهاية الأسبوع لتلاميذ المدارس وطلبة الجامعات تحسبًا لأي مكروه، وحرصًا من الدولة على حماية المدنيين من أي عارض لا قدر الله. الحرب الإيرانية الإسرائيلية أصابت ربما خطط الكثيرين في السفر والتصييف، فتم التبكير بعطلة نهاية السنة، والضغط على وكالات السفر والسياحة وشركات الطيران من أجل السفر “البعيد الطارئ”.
رغم ذلك، هناك بعض ضعاف النفوس الذين يروجون لشائعات ما أنزل الله بها من سلطان، أن الحرب النووية قاب قوسين أو أدنى من أجوائنا، وأن العدوان والعدوان المضاد أصبح أقرب من حبل الوريد، بل إنه يلامس الآن أرواحنا وأضغاث أحلامنا وفلذات أكبادنا. استسلم البعض منا للحرب الإعلامية بين الدولتين المتحاربتين، وصاروا يرددون المعلومات المغلوطة التي يحاول كل طرف من خلالها إضعاف الروح المعنوية للطرف الآخر، وصار “البعض منا” صيدًا سهلاً وفريسة جاهزة ولقمة سائغة في أفواه المتحدثين عن الحرب في بعض الفضائيات المارقة وعلى منصات البودكاست المشبوهة، وتلك التي ترتبط بالفيس بوك أو التيك توك، أو ما بينهما من وسائل تواصل اجتماعي لا تخضع للقرابة ولا لضمير مهني، أو لدقة وتدقيق مسؤول.
عشرة أيام وأكثر والبلاد والعباد يمارسون أعمالهم غير مكترثين بما يحدث من حولنا رغم الحذر الشديد مما لا يُحمد عقباه، البلاد والعباد والحكومة الرشيدة وفقًا لتوجيهات القيادة الحكيمة يمارسون أعمالهم بالكيفية والمواظبة والانتظام والانضباط الذي تتسم به أجواء الحروب في الدول المؤمنة بأنه لن يصيبنا إلا ما كتبه الله لنا، وأن الإيمان بعقيدة الحياة يدفعنا إلى التعامل مع الأحداث، حامدين الله على أعلى درجات الجاهزية لمواجهة المخاطر ولكن من دون أن نبعث الرعب في قلوب الناس، والهلع عند اتخاذ القرارات بالسفر القريب.
الحرب أصبحت حقيقة واقعة، ومفاوضات السلام توقفت حيث أصبح هذا السلام مجرد خدعة لتوجيه المزيد من الضربات والمزيد من الغارات والمزيد من القتل والتدمير وسفك الدماء. المجتمع الدولي والجبهة الداخلية شقا رحى يتعاملان مع حالة الحرب، كل بوجهة نظره وكل من خلال أولويات اللحظة، وكل عن طريق الثابت على المدى القصير والمتحرك على المدى البعيد. المجتمع الدولي كعادته لا يُغني ولا يُسمن من جوع، قراراته باهتة، مواقفه منحازة، وصمته يثير الشبهات.
أما جبهتنا الداخلية، فرهاننا الأول والأخير عليها، نبذ الشائعات، الوقوف على الأحداث والأخبار من مصادرها الرسمية، ومن المخولين الحقيقيين للإدلاء بها، عدم التكالب على السفر أو تخزين السلع أو نقل الشائعات من وإلى، “والله محيط بكل شيء وهو على كل شيء قدير”.

كاتب بحريني والمستشار الإعلامي للجامعة الأهلية

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية

OSZAR »