العدد 6090
الثلاثاء 17 يونيو 2025
حروب حساب المثلثات
الثلاثاء 17 يونيو 2025

 لم يتركني قريب أو بعيد إلا وسألني: كيف ترى الحرب الدائرة الآن بين إيران وإسرائيل؟ ما هو مستقبل الصراع العسكري المحتدم في رأيك؟ هل انتصر طرف ومُنِيَ بالهزيمة طرف آخر؟
مثلث متساوي الأضلاع يحمل إجابات متشابهة على كل سؤال، وضع ثلاثي الأبعاد تتخلق في طياته إجابات ليست شافية، وأوضاع لم تكن حاسمة، ومستقبل لا يمكن وصفه بالمبشر على أية حال. إسرائيل بدأت الحرب.. نعم، لكنها لا تعرف كيف تنهيها، “حضّرت العفريت، لكنها لا تدرك كيفية صرفه من مواقع الأحداث”، إيران تعرف أن ردة الفعل لابد أن تكون مُزلزلة، وأن الموجات الصاروخية المتتالية وأفواج المسيرات المتتابعة يمكنها الإجابة على السؤال الصعب، كيف ستنتهي هذه الحرب، ومتى؟ باختصار شديد لم أكن مهيأً للإجابة على أي سؤال، ولم تكن الذاكرة الحديدية هشة مثلما هي القبة الحديدية الإسرائيلية ونظرية أمنها المأسوف عليها، من الماضي أدرك تمامًا أن “حرب النفس الطويل” لا تميل دائمًا لصالح إسرائيل، وأن الأمان الذي كانت تنعم به تل أبيب وحيفا ويافا وجيروزاليم “القدس” الغربية، لم يتحقق لها بعد أول موجة عدوان وصلت إلى طهران من إسرائيل. 
العدوان بأشكاله المتشابهة مع علم حساب المثلثات الذي درسناه بكل تواضع في المرحلة التعليمية الثانوية من الزمن شبه القديم، لا يمكن التنبؤ بنهايته، لا إسرائيل تعرف النهاية، ولا إيران يمكنها تحديد طبيعة الكلمات المتقاطعة التي تقود الفراغات فيها بعد ملئها إلى الدليل الغامض أو الجملة المفيدة التي تتناولها الأسئلة.
حروب حساب المثلثات التي نشأت بعد انتشار التكنولوجيا الفارقة لم تحدد زمنًا لمعركة، ولا موعدًا لنهاية، مثلما أنها لم تكن مغرمة بتحديد توقيت مناسب لضربة البداية، لذلك يمكننا القول إن هذه الحرب السماوية بين إيران وإسرائيل قد تكون هي الأولى في التاريخ من حيث الأبواب الخلفية المواربة التي تملكها، أبواب سياسية، وصداقات وتحالفات إقليمية ودولية، ومفاهيم وإرهاصات عقائدية، الإسرائيليون يبحثون عن “النووي” في مرتفعات طهران وضواحيها، وإيران تضرب “القبة الحديدية الإسرائيلية” بيد من حديد، والمنطقة العربية في المنتصف على مقاعد المتفرجين تجهل المدى والمصير.
على أية حال، جبهتنا الداخلية قوية، آمنة سليمة مسالمة، ومختلف أجهزة الدولة تعمل على مدار الساعة من أجل المحافظة على السلم والأمن الوطنيين، بل من أجل توفير السلع والخدمات ومختلف أساليب السلامة وأماكن الإيواء تحسبًا لأي طارئ وأية نتائج لا تحمد عقباها لا سمح الله.
حساب المثلثات لا يعني هندسة في الفراغ، ولا تفاضلًا أو تكاملًا أو حتى “تباديل وتوافيق” أو أية أشكال إغاثية تتطلب عونًا من هنا، ومساعدة من هناك. كل طرف في هذه الحرب، وكل ذراع وكل باب مفتوح يستطيع أن ينغلق للحدود التي تجعله مواربًا حتى يسمح بفرصة السلام الأخيرة بأن تكون مهيأة للبناء فوقها، والاعتماد عليها، وتخليصها من الخيوط العنكبوتية المعرقلة، والمطبات الهوائية المخاتلة.
حرب إيران – إسرائيل ستضع أوزارها عاجلًا أم آجلًا وليس في التو واللحظة، تصفية الحسابات الإيرانية، الأمن الإسرائيلي، نظريات العمالة والمؤامرة، كل ذلك وأكثر مازال قيد الإقامة الجبرية في الملاجئ الضرورية بحيفا ويافا وتل أبيب وغيرها من المدن الإسرائيلية الاستراتيجية، إيران تنقل الصراع لأول مرة من الحدود إلى قلب الوطن الموعود، من الخارج البعيد إلى الداخل “السعيد”.
من هنا بدأت الحرب، وكلنا نعرف كيف بدأت ولماذا؟ لكن أحدًا حتى اللحظة لا يمكنه التكهن بخط النهاية، ولو كانت الكلمات المتقاطعة وحسابات المثلثات تؤشر علينا أنها طبق الأصل مع ضربة البداية.

كاتب بحريني والمستشار الإعلامي للجامعة الأهلية

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية

OSZAR »