في اليوم العالمي للاجئين، لا نحيي فقط معاناة الملايين الذين اقتُلعوا من أوطانهم، بل نشيد بصمودهم الملهم، فقصصهم ليست مجرد روايات عن اللجوء، بل عن الكرامة، والإصرار، والأمل الذي لا ينكسر. يحمل كل لاجئ في قلبه أكثر من آثار النزوح؛ يحمل حلماً بالأمان والانتماء والكرامة. ورغم الآلام، ينهضون، ومعهم تنهض إنسانيتنا المشتركة.
ولا يمكن أن نتحدث عن قضية اللاجئين اليوم دون أن نتوقف عند ما يشهده عالمنا من أزمات متفاقمة، وعلى رأسها الحروب والنزاعات الجارية، والتي لا تزيد إلا من حجم المأساة الإنسانية، وتدفع بمزيد من الأبرياء إلى التهجير القسري وفقدان المأوى والأمل. إن الحروب الدائرة حاليًّا تنذر بموجات جديدة من النزوح، وتُحمل المجتمع الدولي مسؤولية أخلاقية مضاعفة. في هذا السياق، نجدد الدعوة إلى ضبط النفس، وتغليب صوت الحكمة على دوي السلاح، والتحلي برؤية مستقبلية تعلي من شأن الإنسان، وتؤمن بأن بناء السلام هو السبيل الوحيد لبناء أجيال قادمة تنمو في بيئة آمنة ومستقرة، وتساهم في نهضة عالمنا على كل الأصعدة. في المجلس العالمي للتسامح والسلام، نؤمن أن السلام لا يعني فقط غياب النزاع، بل قيام العدالة، وأن التسامح ليس مجرد قبول للآخر، بل التزام إنساني ووعي باحتضان كل من يحتاج، مهما كانت خلفيته أو ظروفه. لذلك نضع صمود اللاجئين في قلب رسالتنا العالمية. وبالشراكة مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) نظمْنا فعاليات رفيعة المستوى في مقر الأمم المتحدة بعنوان “تعزيز صمود اللاجئين.. مسؤولية مشتركة”، ومنْ خلالها دشنا مؤتمرًا مشتركًا بعنوان “تعزيز صمود اللاجئين.. رؤى عالمية حَوْل الإدماج والازدهار” بمشاركة نخبة من الخبراء والمنظمات الدولية.
كان هذا العمل أكثر من كتاب؛ كان منصة للعمل الجماعي، ورسالة تضامن عالمي، ودليلًا على ما يمكن تحقيقه حين نوحّد الجهود من أجل الإنسان.
ويترجم هذا الالتزام من خلال مبادرتنا المختلفة: عبر البرلمان الدولي للتسامح والسلام، والجمعية العمومية للتسامح والسلام، وبرامجنا التعليمية الرائدة، وعلى رأسها برنامج الماجستير في دراسات التسامح والسلام العالمي، والذي يهدف إلى إعداد قادة عالميين يؤمنون بأن الإنسانية واحدة، وأن السلام لا يؤجل.
كما عززنا هذا المسار عبر توقيع مذكرة تفاهم استراتيجية مع المفوضية السامية، لتوسيع أطر التعاون في حماية اللاجئين وضمان دمجهم في مجتمعاتهم بكرامة واستدامة.
لكن الطريق أمامنا لا يزال طويلًا. مسؤوليتنا لا تنتهي بإصدار البيانات أو تنظيم الفعاليات، بل تبدأ منها.
ومن هذا المنبر، أوجه دعوتي الصادقة إلى قادة العالم، والبرلمانيين، والمربين، ورجال الدين، وكل إنسان حر في هذا العالم:
لنوقف فورًا الحروب والنزاعات المسلحة التي تُعد من الأسباب الرئيسة لمآسي النزوح، والتي تزيد من معاناة اللاجئين وتبدد فرص الاستقرار والتنمية. إن أي حديث عن الحلول يفقد معناه دون وقف آلة الدمار وإسكات صوت السلاح.
وبعد وقف النزاعات، يبدأ دورنا الحقيقي في إعادة البناء على أسس من التسامح والعدالة. فلنزج باللاجئ طاقة وقدرة لا عبئًا، وشريكًا في بناء السلام، لا مجرد متلقٍ للمساعدة. فلنمنحهم فرص التعليم والعمل والحياة الكريمة. لنفتح لهم أبواب الانتماء، ونزيل جدران الإقصاء.
صمود اللاجئين هو شهادة على قدرة الإنسان على التحدي والتغيير، وهو في الوقت ذاته مرآة لقيمنا نحن. إنهم ليسوا غرباء عنا، إنهم نحن.. هم في أحلك ظروفنا، في تطلعنا إلى العدالة، وفي إيماننا بأن اليأس ليس قدرًا.
اليوم، دعونا نختار أن نكون جزءاً من الحل، أن نكون صوتًا للسلام، وجسرًا يعبر به من تقطعت بهم السبل. لأن جوهر الإنسانية لا يُقاس بما نملك، بل بما نمنح.
فالمستقبل العادل لا يُبنى إلا إذا شمل الجميع. فليس كل من خسر بيتاً،خ سر الأمل.
الرئيس الأسبق للبرلمان العربي رئيس المجلس العالمي للتسامح والسلام