قبل يومين، التقيت صديقًا لم أره منذ قرابة العشرة أعوام، زاد وزنه، وانتشر البياض في السالفين، والتجاعيد تقوست حول عينيه بشكل لافت، هموم الدهر بدت واضحة عليه، وكأنها سبقت الزمن في الوصول إليه، وفي إنهاكه، وإجهاده.
تحدث معي بعفوية عن جحود أبنائه، وكيف أنهم لا يزورونه، أو يسـألون عنه بعد وفاة زوجته، وكيف أصبحت الحياة قاتمة أمام عينيه، بعد أن وجد نفسه وحيدا في بيت رحب، لا يرد على صوته فيه، إلا مجموعة من العصافير الملونة، المحبوسة في قفص أبيض كبير.
بعد قرابة الساعة والنصف من الحديث المؤلم، قلت له إن الحياة لا تسير دائما كما يريد المرء، وهذه سنة الله في خلقه، الصعاب تكون بالعادة خانقة، وملحة في البقاء، وفي مزاحمة الوقت، وخنق العبرات، واللحظات الجميلة.
وقلت له أيضا إن الابتلاء هو سمة الإنسان المحبوب والمذكور عند ربه، والذي اصطفاه دون غيره، ليكون في فلك الامتحان الدنيوي المُر، وفي فلك الابتلاء بأقرب الجمائل إلى قلب الإنسان، وهو أولاده.
وذكرته أيضا بقصة لقائي الصحافي مع رجل الأعمال المعروف نبيل الزين (بو محمد) والذي تشرفت بلقائه قبل قرابة العامين، وإجراء لقاء صحافي معه عن تجربته في زرع الرئة، والذي كان باكورة حملة “حياة جديدة” التي أطلقتها صحيفة “البلاد” لتشجيع المجتمع على ثقافة التبرع بالأعضاء.
قلت له إن الزين وهو الرجل العصامي، والوفي لأسرته، وللناس، والذي تخطى السبعين من العمر، ابتلي بالضعف الشديد بالرئة، والذي تطور مع الوقت حتى وصل إلى مرحلة الحاجة الملحة لزرع رئة جديدة.
وذكرت صديقي بمقولة جميلة، قالها لي الزين، إنه وقبل عملية الزرع، وعلى مدى عامين كاملين، كان يتنفس الهواء بصعوبة شديدة، وكأنه يتنفس من ثقب إبرة، وبحال مؤلم أوجد الهم والحزن الشديدين بقلوب أفراد أسرته، حتى لحظة الزراعة، وإعلان نجاح العملية.
والزين وخلال هذه المرحلة الصعبة جدا، لم يتخلَّ عن واجباته قط، ولم يستسلم، كأب، وكجد، ومربٍّ، ورجل أعمال، بل استمر في أداء الواجب الأخلاقي والإنساني والمهني تجاه كل من حوله، بعزيمة الرجال الأقوياء، المرابطين.
القصة وببساطة، هي رسالة موجزة أوصلتها لصديقي، وأوصلها لكم، بأن الرجال الحقيقيين لا تكسرهم الأزمات، ولا قسوة البشر، بل تزيدهم قوة، وإنسانية، وعزيمة، ودمتم بخير.