عُرف الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب، منذ دخوله عالم السياسة، بعباراته الطنّانة وشعاراته التي تخاطب الجمهور مباشرة. وخلال الحملات الانتخابية للعام 2024، أعلن أمام أنصاره قائلًا: “سوف نقر قانونًا جميلًا، قانونًا ضخمًا، قانونًا لا مثيل له!”.
وهكذا وُلد ما يُعرف اليوم في أوساط الجمهوريين بـ “One Big Beautiful Bill” أو “القانون الجميل الكبير”، وهو مشروع شامل جاء بهدف تمديد الإعفاءات الضريبية التي بدأ تطبيقها في العام 2017. كما تضمن القانون تعديلات مهمة في المعالجة الضريبية لقروض السيارات، بالإضافة إلى تغييرات في ضريبة ساعات العمل الإضافي، مع تعزيز الإنفاق على القطاعات العسكرية وأمن الحدود، مقابل تقليص مخصصات الرعاية الصحية والبرامج الاجتماعية.
من الجدير ذكره، أنه في 1 يوليو 2025، اجتاز “القانون الجميل الكبير” عقبة مجلس الشيوخ بأضيق هامش ممكن: 51 صوتًا مقابل 50، حيث اضطر نائب الرئيس J.D. فانس إلى كسر التعادل. وبعد يومين، وفي جلسة عاصفة استُدعي خلالها النواب من عطلتهم، أقرّ مجلس النواب النسخة النهائية للقانون بـ 218 صوتًا مؤيّدًا مقابل 214 رافضًا، بعدما انشقّ نائبان جمهوريان فقط عن كتلتهما وانضمّا إلى المعارضة الديمقراطية الموحدة. بهذه الأصوات المتقاربة، انتقل المشروع إلى مكتب الرئيس ترامب للتوقيع قبيل احتفالات الرابع من يوليو.
لكن، ما الآثار الاقتصادية الفعلية لهذا القانون؟
وفق أحدث التقارير الحكومية، بلغ الدين العام الأميركي في العام 2025 نحو 37 تريليون دولار، أي أكثر من 120 % من الناتج المحلي الإجمالي، وهو مستوى غير مسبوق يضع الاقتصاد الأميركي في مأزق مالي بالغ الخطورة. والأسوأ أن الدين يتزايد بمعدل يقارب 4.66 مليار دولار يوميًا؛ ما يفاقم الضغوط على الميزانية العامة ويهدد استقرار الاقتصاد على المدى الطويل.
ولا تتوقف المخاطر عند ذلك، إذ تتجاوز خدمة الدين العام حاليًا تريليون دولار سنويًا؛ لتصبح من أكبر بنود الإنفاق الفيدرالي، متقدمة في بعض السنوات على الإنفاق في قطاعات محورية مثل الدفاع، والضمان الاجتماعي، وبرامج الرعاية الصحية مثل “Medicare” و “Medicaid”. هذه التكاليف الهائلة تقيّد قدرة الحكومة على الاستثمار في البنية التحتية والتعليم والخدمات الاجتماعية.
وكان رجل الأعمال إيلون ماسك قد عبّر في منشور سابق على منصة “إكس” (تويتر سابقًا) عن قلقه من مسار الدين العام الأميركي، وكتب: “سقف الدين؟ بل سقف السماء. نحن نمضي في طريق لا عودة فيه إن لم نراجع أولوياتنا”.
بحسب تقديرات مكتب الميزانية في الكونغرس “CBO”، من المتوقع أن يؤدي تنفيذ “القانون الجميل الكبير” إلى رفع الدين العام بما يتراوح بين 2.4 و3.3 تريليون دولار خلال العقد المقبل؛ نتيجة لتخفيضات ضريبية موسعة لصالح الشركات والأثرياء، وزيادة الإنفاق العسكري دون توفير مصادر تمويل موازية. وقد عبّر أحد أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين ساخرًا عن الموقف بقوله “إنه جميل فقط على الورق، لكن فاتورته قبيحة جدًا على دافعي الضرائب”.
من جانبه، يدافع ترامب عن القانون كونه محركًا لنمو اقتصادي واسع النطاق، إذ يرى أن التخفيضات الضريبية ستشجع الشركات على توسيع أعمالها وتوظيف مزيد من العمال؛ ما سيؤدي إلى زيادة الإنتاجية وتعزيز الإيرادات الحكومية على المدى المتوسط. كما يعوّل على عودة رؤوس الأموال المحتجزة في الخارج؛ ما يعزز الاستثمار المحلي ويعوض جزئيًا عن الانخفاض المؤقت في الإيرادات الضريبية.
إلا أن الديمقراطيين وكثيرًا من الاقتصاديين المستقلين يرون في “القانون الجميل الكبير” تحولًا في الثقل المالي نحو الأغنياء على حساب الطبقة الوسطى والفقيرة. فبدلًا من تحقيق العدالة الاقتصادية، يُتوقع أن يُفاقم التشريع التفاوت الاجتماعي عبر تقليص الدعم لبرامج أساسية كالرعاية الصحية والطوارئ الغذائية. وتشير التقديرات إلى أن ما بين 11 و15 مليون أميركي، قد يفقدون تغطيتهم الصحية نتيجة هذه السياسات.
وقد علّق الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما على هذا القانون قائلًا إنه يمثل “قائمة خطيرة من أولويات الجمهوريين المتطرفة”، محذرًا من أن إقراره يشكل تهديدًا مباشرًا للوصول إلى الرعاية الصحية والعدالة الاجتماعية في الولايات المتحدة.
ويحذّر الخبراء من أن هذا المسار سيؤدي إلى تفاقم أزمة الدين العام، وزيادة تكلفة خدمته، وتآكل ثقة المستثمرين؛ ما قد يُفضي إلى خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة، ورفع أسعار الفائدة، وزيادة عبء الدين على الأجيال القادمة. لذا، لم يتردد بعض النقاد في وصف التشريع بأنه “روبن هود المقلوب”، يُثقل كاهل الفقراء ليمنح امتيازات للأغنياء.
في المحصلة، يرى معارضو “القانون الجميل الكبير” أنه لا يعالج التحديات الاقتصادية الجوهرية التي تواجه الولايات المتحدة، بل يفاقمها عبر سياسات قصيرة النظر قد تؤدي إلى نتائج عكسية. وبذلك، تصبح وعود النمو وتحقيق الإيرادات أشبه بأحلام وردية تفتقر إلى أسس واقعية.
ومع ذلك، يبقى الحكم النهائي بيد الزمن: فإما أن يثبت ترامب صواب رؤيته الاقتصادية، أو يكشف التاريخ عن أن القانون لم يكن سوى مقامرة انتخابية تهدف إلى تعزيز شعبية الحزب الجمهوري.
وكما قال ونستون تشرشل: “الحقيقة بنت الزمن”.
* وزير العمل وزير الدولة لشؤون الاستثمار الأردني الأسبق