+A
A-

تحقيق "البلاد": الحمار في البحرين.. من خادم مطيع إلى "RACING" سريع

  • البحرين وفرت غطاء حماية حقوق الحمار قانونيًا منذ 100عام

التحولات الاجتماعية التي ضربت البحرين خلال أكثر من مئة العام الماضي (1920 – 2023) أزاحت مشاهد وأحلت مشاهد أخرى ولعل واحدة من أبرز المشاهد التقليدية التي أزاحتها هذه التحولات هي خدمات الحمير في البحرين، خصوصًا إذا عرفنا ما هو الدور الذي كان ينهض به الحمار على الصعيد الشخصي والمهني والعائلي والاجتماعي.

فالبحرين التي كانت تعرف باقتناء الحمير، وكان الحمار بالنسبة لها على الصعيد الإنساني أداة نقل رئيسة نظرًا لتعدد استخدماتها، فكانت تستخدم في الزراعة ونقل المنتوجات الزراعية وبعض الخدمات مثل الكيروسين "القاز" والخضروات ونقل المياه والرمال والجص من البحر ونقل الاسماك من الحضور وجمع القمامة وغيرها.

 

لا إحصائيات رسمية عن أعداد الحمير سابقا ولا حاليًا، ولكن يقدر أعدادها من قبل المربين بالمئات في الوقت الحالي، فيما ذهب بعضهم بالقول إنه يقدر عددها بنحو 400 حمار حاليًا، وأنه قبل خمسين سنة وفقًا لتقديراتهم بنحو 2000 حمار، وكانت تباع وتشترى بثمن بخس حتى مطلع الألفية، ولا يتعدى سعر الحمار الواحد 50 دينارًا.

 

4 آنات رسومٌ لتجديد رخصة الحمَّالين وأصحاب الدواب

ولأن البحرين قبل أكثر من 100 عام كانت تشكل نفسها، فقد اهتمت الحكومة بتنظيم مهنة استخدام الحمير كأداة ووسيلة للمواصلات، وفرت الحماية القانونية لحقوق الحمير من الجور الذي قد يتعرضون له، فأصدرت أول قانون للبلديات في العام 1920، والذي اشتمل على نصوص مواد يقرأ منها أنها كانت ذات معانٍ إنسانية وحقوقية رفيعة، وفيما يلي نص التنظيم القانوني والإداري في الوثيقة التي حصلت عليها البلاد من قانون البلديات المعني:

يحظر على عموم الأهالي تحميل الحمالين وأصحاب الدواب الذين مهنتهم الحمالة، إذا لم تكن لهم مأذونية من دائرة بلدية المنامة وما لم يكونوا حاملي نمرة نحاسية منها، ويلزم على عموم الحمالين وأصحاب الدواب المحترفين بالحمالة تجديد الرخصة سنوياً بعد دفع الرسم وقدره (4 آنات) عن كل سنة، عدا قيمة النمرة، ولا يجوز الاشتغال بالحمالة ما لم يكن المحترف حاملاً نمرة على كتفه، وللشرطة كما لمفتش البلدية؛ توقيف كل حمّال لم تكن لديه المأذونية والنمرة.

 

أول قانون بحريني للرفق بالحيوان

كما أصبحت بلدية المنامة – وهي البلدية الأولى والوحيدة في البحرين في ذلك الوقت -  أول من سن نظامًا للرفق بالحيوان في البحرين؛ فاصدرت ضمن قانونها الأساسي لعام 1920، في المادة 25 منه قانون رعاية الحيوان، وتضمن 5 نقاط، وأصبحت في قانون عام 1944 ضمن المادتين 13 و14، وبها 17 نقطة، أهمها:

  • ممنوع تحميل الدواب كالحمير وغيرها زيادة على طاقتها.
  • ممنوع تشغيل الحيوانات الضعيفة المصابة.
  • ممنوع أذية جميع الحيوانات (أي ضربها)، على اختلاف أصنافها من ذوات الرجلين أو الاربع، يعني حتى الطيور والبلابيل والبيبي متو أو الببغاوات، والدجاج وغيرها.
  • ممنوع ترك الحيوانات تسرح بنفسها بدون راعٍ لها.
  • ممنوع ركوب الحمير وغيرها داخل السوق؛ لعدم مزاحمة المارة ولعدم تغوطها هناك.
  • ممنوع سير عربات الحمير وغيرها على الشوارع المرصوفة بالقار والمخصصة لسير السيارات.
  • لا يجوز إخفاء الحيوانات الضالة أو الشاردة من أصحابها في أي مكان.
  • ان الحمل المحدد للحمير هو جونيتان من العيش (الأرز)، وثلاث جواني أسمنت او ما يعادل وزنها فقط.

إن مفرادات معاني النصوص التنظيمة المشار إليها أعلاه تعطينا صورة ناصعة عن تلمس البحرين للاحتياجات الحقوقية الإنسانية والحيوانية، حيث يلمس من خلال النصوص مدى حرص المشرع على توفير الحماية العادلة للحمار في كافة الظروف.

 

تشارلز بلغريف وتأسيس سوق الحمير

ونظرًا لأهمية الحمار في الحياة البحرينية اليومية، سُنت أعراف على قاعدة العرض والطلب في عملية بيع وشراء الحمير، إلى أن شكلت هذه الأعراف تلقائيًا مع مرور الزمن، ما يعرف تقليديًا بسوق الحمير وهي سوق مخصصة لبيع وشراء الحمير ومستلزماتها، وكانت في سوق "الأربعاء" التي أسست في زمن المستشار البريطاني لدى مملكة البحرين تشارلز بلغريف الذي ينقل عنه دكتور منصور سرحان لـ"البلاد" أنه قرر فصل الحمير في سوق الحمير إلى حضيرتين، الذكور في حظيرة والإناث في حظيرة وذلك لعدم مشاهدة الحمير تتزاوج أمام الجماهير، وقد بنتين هذه السوق في ثلاثينيات القرن الماضي.

ولعل ما يؤكد ذلك ما أشار إليه الباحث ورجل الأعملا نبيل أجور عبر حسابه في منصات التواصل الاجتماعي: يقع سوق الحمير في المنامة في موقعين الأول خلف سوق الحدادة في شاع صعصعة بالقرب من معبد اليهود، وكانت تباع الحمير إلى بلاد فارس ودول الخليج العربي، ويتم نقلها بواسطة السفن الشراعية من فرضة المنامة – مرفأ البحرين المالي حاليًا - .

وتابع: "أما السوق الثاني يقع بالقرب من سوق الخضرة ومبنى البلدية قديمًا، وكانت الحمير تستخدم لشتى أنواع المواصلات وتقوم بمختلف مهام الشحن والنقل، وكان الحمار يحظى بعناية فائقة إذ تزّين قدماه بالحناء وتعلق الأجراس على رقبته ويغطي ظهره بسجاد إيراني فخم".

هكذا كان الحمار يشكل عنصرًا أساسيًا في المواصلات والمجتمع في البحرين، ولكن بعد  انتقال المجتمع البحريني إلى مراتب التطور التدريجي ودخول السيارات كوسيلة مواصلات أساسية في البحرين انتفت الحاجة رويدًا رويدًا عن الخدمات التي يقدمها الحمار، وأفل نجمه.

ووفقا لحديث المؤرخ، عضو مجلس الشورى منصور سرحان لـ"البلاد" فإن الحمار تلاشى دوره في المجتمع نهاية ستينيات القرن الماضي.

 

واليوم ما هو دور الحمار في البحرين؟

بعد تحولات العصرنة المتسارعة في البحرين، انتهى الدور الفعلي للحمير في أبسط أمور الإنسان البحريني، ووضع الحمار في الزرائب، ومع رحيل الرعيل الأول تلاشى دور الحمار ومربيه وبالذات في الفترة الواقعة بين 1985 حتى 2006.

وفي العام 2007 قام مربو الحمير بإقامة سباق الحمير كأول مرة في البحرين، ولاقى هذا السباق صدى واسعًا من مجتمع مربي الحيوانات بشكل عام ومربي الحمير بشكل خاص، ومن عامة الناس في المجتمع من الذين يهتمون لمثل هذه السباقات.

وفي ذلك يقول مالك عدد من حمير السباق ورئيس لجنة المسابقة السنوية سعيد البقالي: نقيم سباق الحمير سنويًا في فترة الشتاء وتقريبًا ينطلق في النصف الثاني من شهر أكتوبر حتى شهر مارس، ويقام في مضامير خاصة للسباق بمنطقة بر سار بالمحافظة الشمالية في البحرين.

وأكد أن السباق بدأ يتطور شيئًا فشيئًا كل سنة حتى بات يستقطب آلاف السياح من الشقيقة السعودية، مشيرًا إلى أن مجموعة كبيرة من مربي الحمير في منطقة القطيف والإحساء يقصدون البحرين كل نهاية اسبوع من أجل مشاهدة السباق.

 

مسابقة أجمل حمار في البحرين

وأفاد بأن السباق يلقى اهتمامًا بالغًا من المحافظة الشمالية التابعة لوزارة الداخلية، إذ ترعى المحافظة السباق في إحدى جولاته وتكون هذه الجولة الأقوى في موسم السباق، وتحظى جوائز الأشواط برعاية خاصة من المحافظة بدعم مالي وعيني، وتجرى خلال المسابقة أيضًا مسابقة أجمل حمار في البحرين.

وبين أن هذا السباق المرعي من قبل المحافظة يستقطب العديد من السياح الخليجيين يصل عددهم إلى أكثر من 3000 فرد، ناهيك عن الجمهور البحريني العاشق لهذه المسابقة وفقًا لقوله.

وذكر أن أعداد الحمير التي تدخل الموسم للتسابق تصل إلى أكثر من 100 حمار سنويًا، هناك أفراد خاصين مدربين على قيادة الحمير في السباق (جوكي)، ويخضع الحمير لعملية تدريب خاصة ويبلغ تجهيز وإعداد الحمار للسباق أكثر من 200 دينار للموسم.

 

أسعار الحمير لا يضاهيها حيوان آخر في الأسواق الشعبية

وعاد الحمار ليثبت وجوده من جديد في أوساط الأسواق البحرينية ونعني بأسواق الحيوانات حيث تضاعف سعر الحمار بشكل كبير، فبعد أن كان سعر الحمار في السابق لا يتجاوز 50 دينارًا في أفضل أحواله في زمن ازدهاره بعقد السبعينات، أصبح سعره اليوم يصل في السوق إلى 4000 دينار، وفقًا لما ورد على لسان المربي ومالك حمير السباقات سيد ماجد سيد عيسى، وذلك ما أكده أقرانه من المربين.

وأكد سيد ماجد أن أسعار الحمير نار، ولا يضاهيها سعر أي حيوان آخر في الأسواق الشعبية، وإن أسعار الحمير تتراوح بين 800 دينار إلى 4000 دينار، وارتفاع الأسعار هذا ناتج عن نتائج وقدرة الحمار على التفوق في سباقات الحمير الموسمية.

وأشار إلى أن أسعار الخيول في الأسواق الشعبية تتراوح ما بين 200 دينار إلى 1500 دينار، والأبقار من 300 دينار إلى 1200 دينار، وكذلك هو الحال للثيران، بينما أسعار الغنم يتراوح ما بين 50 إلى 150 دينار، والغزلان في حدود 300 دينار والجمال كذلك في حدود 300 إلى 400 دينار.

 

هل هذه الأسعار طفرة أو نتيجة مزاج معين يحكم السوق حاليًا؟!

يجيب عدد من المربين والمتعاملين في السوق لـ"البلاد" أن ارتفاع أسعار الحمير وانخفاض أسعار بقية الحيوانات مضى عليه أكثر من 4 سنوات، وبذلك فإن الأسعار المرتفعة للحمير لها جذور عميقة في السوق، ولا يمكن لتقلبات رياح السوق أو اجتياح مزاج معين زحزحة هذه الأسعار لأن الفارق شاسع بينها وبين الحيوانات الأخرى.

محدثي سيد ماجد يضيف ويشير إلى أن أصحاب الحمير والمربين سقلتهم التجربة من خلال علاقة تربية الحمير إلى فهم نفسية الحمار وقدرته على الفوز من عدمها قبل الدخول في الأشواط.

 

"الأزرق" وأولاده سيد بطولات الحمير

وللحمير في السباق بطولات، ويحتكر البطولة الحمار الذي يسمى بـ"الأزرق" وأولاده، حيث يعرف عن الأزيرق أنه سيد بطولات الحمير في السباقات، وله باع طويل في حصد الجوائز وانتقل جينات الفوز بالبطولات لأولاده، هذا ما أكد عليه المربي سيد حسين عيسى.

وأضاف: "هناك حمير أبطال آخرين ويشار لهم بالبنان مثل: كلاش، ولد مغرور، نصار، المؤرخ"، مشيرًا إلى أن دم وفصيلة الحمار تلعب دورًا مهمًا في قدراته على أداء نشاطه السباقي.

وبدوره قال المربي ومالك الحمير محمد أمير: المسابقة باتت تستقطب جمهورًا واسعًا، وسياحًا خليجيين بشكل لافت، ووصل عدد السياح الخليجيين إلى أكثر من 3000 خليجي في أحد السباقات، وهو السباق الذي تدعمه المحافظة الشمالية ويعقد في شهر ديمسبر من كل عام.

الحمار البحريني يتمتع بصلابة صحية قوية

أما بالنسبة للأمراض الموسمية الشائعة للحمار، فقد سجل الرأي الطبي مفاجأة صادمة وتحديدًا حينما أعلن الدكتور البيطري سيد حسن الهاشم بأن الحمار البحريني، حمار يتمتع بصلابة صحية قوية، ويدلل ذلك أنه خلال عشرين عامًا من عمله في قطاع البيطرة لم يعالج سوى 10 حمير، من مرض واحد وهو المغص.

وفي المقابل، أشار إلى أن الحمير وفي ظل الأجواء البحرينية الحارة في مختلف المواسم يتمتعون ببنية قوية وصحية يحسدون عليها من باقي الحيوانات، لأنه يتسم بالقوة والصبر والقدرة على التحمل.

ولفت إلى أن عملية استيراد وتصدير الحمير موجودة في البحرين، ولكن الشقيقة السعودية منعت تصدير الحمار الحساوي الذي يتصف بمواصفات خاصة وقوة كبيرة، وذلك للحفاظ على هذه السلالة داخل الأراضي السعودية.

والجدير بالذكر فإن العالم قد تقبل فكرة الاحتفال بيوم الحمير منذ عام 2018 من قبل العالم الذي تتمحور اهتماماته بشكل أساسي بحيوانات الصحراء، وذلك تقديرًا واحترامًا لدور الحمار في الحياة الإنسانية، وبالمقارنة تعد البحرين وطنًا وشعبًا من أوائل الدول في العالم التي احترمت من خلال قوانينها الحمار واعترفت بالدور الكبير الذي كان ولا يزال يؤديه في الأوساط الاجتماعية.