لا يمكننا فهم مغزى فوز الشاب زهران ممداني الامريكي في أواخر يونيو/ حزيران الماضي في الانتخابات التمهيدية الداخلية للحزب الديمقراطي ليكون مرشحه في انتخابات عمدة بلدية نيويورك المقبلة في نوفمبر/ تشرين الثاني القادم، نقول: لايمكننا فهم هذا المغزي دون معرفة ما تعنيه هذه المدينة أولاً، ثم ماذا تعنيه للرئيس الأميركي دونالد ترامب ترامب ثانياً. ذلك بأن هذه المدينة كما قال جيمس زغبي ( رئيس المعهد العربي الأميركي) محقاً : تُعد موطناً لعدد من الرموز الثقافية المهمة، مثل تمثال الحرية ومبنى "أمباير ستيت" ومركز التجارة العالمي، وتايمز سكوير. وهي إلى كل ذلك يمكننا القول أنها مدينة كوزموبوليتانبة بامتياز، ومصهراً عرقياً رائعاً لكل الأجناس والقوميات. وهي أيضاً مدينة مغناطيسية( على حد تعبير زغبي) جاذبة لمئات الآلاف من المهاجرين من شتى أنحاء العالم، وهي كذلك من أكثر المدن الأميركية التي كانت وما زالت مسرحاً للتوترات العنصرية والمعاملات الفظة للشرطة تجاه السود وغيرهم. ومن هنا فقط يمكننا فهم مغزى فوز الشاب زهران ممداني الذي نزل إلى الحلبة التنافسية في مواجهة رؤوس كبيرة من وزن الحاكم السابق للمدينة أندرو كومو ( 67 عاماً). أما الفائز ممداني فلم يتجاوز عمره عن 33 عاماً، هذا بالرغم من أن عضويته في المجلس التشريعي لا تزيد عن 4 سنوات، لكنه تمكن بفضل ديناميكيته وشخصيته الكاريزمية أن يقنع كثرة من ذوي الميول الاشتراكية واليسارية، حتى رغم أصوله الهندية، فهو من مواليد أوغندا، والأهم فإنه تربى في كنف أبوين مشهورين، فوالده محمود (مفكر واستاذ في جامعة كولومبيا) ووالدته ميرا ناير، مخرجة أفلام رائعة حصدت عدداً من الجوائز عليها.، وهو متزوج أيضاً من الفنانة التشكيلية السورية راما دوجي. وكان ممداني في الأصل ناشطاً طلابياً، لكنه بعزيمته الجبارة استطاع أن يخوض غمار كل الصعاب، وأخطرها كانت الحملات المحرضة من قِبل المؤيدين لإسرائيل الذين وصموه بمعاداة السامية، لكنه تأهل أخيراً كمرشح للحزب الديمقراطي في انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني المقبلة.
لكن ماذا تعني المدينة نفسها للرئيس ترامب؟ هي قلعته بامتياز حيث نشأ وتربى في حي كوازينز الخاص بكبار الأثرياء، وكان الولد المدلل لأبيه حيث وُلد في هذا الحي وفي فمه ملعقة من ذهب، وتعلم من أبيه تجارة سوق العقار، وقد ضمه إلى شركته " إليزابيث ترامب أند صن" بعد تخرجه، ومن ثم انتقل إلي حي مانهاتن مطلع السبعينيات. ومن هنا تولدت الكراهية الشديدة التي يكنها ترامب لذلك الشاب. ولعل المغزى الأكبر لفوز ممداني يرينا انفصام التمثيل الحقيقي للطبقة الحاكمة الأميركية، وعلى رأسها الملياردير الرئيس ترامب، عن الواقع الشعبي للطبقات المتوسطة والمعدومة حيث تمكن ذلك الشاب العصامي من التعبير عنها في تلك الانتخابات التمهيدية، بل ولم يتوان عن إدانته لجرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبت بحق سكان غزة. وفي ترحيبه بمؤيدييه قال: " هذا المساء صنعنا التاريخ كما قال نيلسون مانديلا". فهل يغدو ممداني في نوفمبر القادم عمدة نيويورك ؟