العدد 6100
الجمعة 27 يونيو 2025
banner
مرتكزات الاقتصاد البرتقالي 4.0: الإبداع والابتكار والاختراع 2/2
الجمعة 27 يونيو 2025

رابعًا: المقارنة التكاملية
وتساهم المستخرجات القائمة على الإبداع، والابتكار، والاختراع بشكل جوهري في تطوير وزيادة مساهمة الاقتصاد البرتقالي في الناتج الإجمالي المحلي عبر عدة آليات مترابطة، ويمكن تلخيص ذلك كالتالي:


تحويل الأفكار إلى قيمة اقتصادية مضافة
- الاقتصاد البرتقالي يُعنى بتحويل الأفكار الإبداعية إلى سلع وخدمات ثقافية وفنية ذات قيمة سوقية، ما يخلق مصادر دخل جديدة ويعزّز من تنويع الاقتصاد بعيدًا عن القطاعات التقليدية.
- الابتكار والاختراع يفتحان آفاقًا لصناعات جديدة تعتمد على التكنولوجيا والإبداع، مثل البرمجة، إنتاج المحتوى الرقمي، الألعاب الإلكترونية، التصميم، والفنون الرقمية، ما يزيد من حجم الناتج المحلي الإجمالي عبر قطاعات غير تقليدية.
خلق فرص عمل وتنمية رأس المال البشري
- الصناعات الإبداعية تساهم بشكل كبير في خلق فرص عمل جديدة، خاصة للشباب والنساء، حيث تشير التقديرات إلى أن الاقتصاد البرتقالي يوفر أكثر من 30 مليون وظيفة حول العالم ويمثل ما بين 3 % إلى 7 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
- الاستثمار في الإبداع والابتكار يرفع من كفاءة القوى البشرية، ويشجع على تطوير المهارات التكنولوجية والفنية، مما يعزز رأس المال البشري ويزيد من الإنتاجية الوطنية.
تعزيز التنافسية وتوسيع الأسواق
- الابتكار المستمر في المنتجات والخدمات الثقافية والفنية يرفع من تنافسية الاقتصاد على المستوى العالمي، خاصة مع سهولة الوصول إلى الأسواق الدولية عبر المنصات الرقمية والتقنيات الحديثة.  - الصناعات الإبداعية تتيح فرصًا واسعة للتصدير، حيث بلغت صادرات الخدمات الإبداعية 1.4 تريليون دولار في عام 2022، ما يعزّز ميزان المدفوعات ويزيد من تدفق العملة الصعبة.
دعم التنمية المستدامة والاندماج الاجتماعي
- الاقتصاد البرتقالي يعزّز التنمية المستدامة من خلال استثمار الموارد البشرية والثقافية بشكل فعّال، ويشجع على ريادة الأعمال والابتكار الاجتماعي، ما يساهم في الحد من الفقر وتحقيق الإدماج الاجتماعي. 
- الإبداع والابتكار يدعمان الحفاظ على الهوية الثقافية والتنوع، ويسهمان في تعزيز القوة الناعمة للدول وتحسين صورتها الثقافية والسياحية عالميًّا.
استثمار التكنولوجيا والرقمنة
- التطور التكنولوجي والرقمنة يسهّلان تحويل الإبداع إلى منتجات قابلة للتسويق والوصول إلى جمهور عالمي، ما يضاعف من فرص النمو الاقتصادي ويخفض حواجز الدخول أمام المبدعين. 
- الذكاء الاصطناعي، الواقع الافتراضي، والطباعة ثلاثية الأبعاد تفتح مجالات جديدة للابتكار والإنتاج الثقافي، وتزيد من القيمة المضافة للاقتصاد البرتقالي.
 في ضوء كل ما تقدم يمكن القول: إن الاقتصاد البرتقالي لا يمكن أن يزدهر إلا إذا تم دمج هذه المفاهيم الثلاثة ضمن منظومة واحدة، تقوم على ثلاثة مرتكزات مفصلية، هي:
1. الإبداع الذي سيمنح يمنح المحتوى والمعنى.
2. والابتكار القادر على تحويل هذا المحتوى إلى قيمة اقتصادية قابلة للتداول.
3. ثم الاختراع القدر على خلق الوسائط والأدوات التي تفتح آفاقًا جديدة للإبداع والابتكار.
بهذا المعنى، فإن الثلاثة يشكلون سلسلة متكاملة من القيمة في بنية الاقتصاد البرتقالي، وأي إرباك أو خلط في فهمها يضعف القدرة على تصميم سياسات فاعلة لدعم هذا القطاع الحيوي، من أجل فهم تكاملي للإبداع والابتكار والاختراع في منظومة الاقتصاد البرتقالي.
وفي ظل التحولات الاقتصادية المتسارعة، وظهور ما يُعرف بـ “اقتصاد القيمة اللاملموسة”، أصبح من الضروري إعادة قراءة المفاهيم التقليدية — كالإبداع، الابتكار، والاختراع — ضمن أطر أكثر دقة وتحديدًا، خاصة عند الحديث عن الاقتصاد البرتقالي، الذي يستند جوهريًّا إلى الثقافة، الهوية، والتكنولوجيا.
مستقبل الاقتصاد البرتقالي:
- ستكون التقنيات التفاعلية (كالواقع المعزّز والذكاء الاصطناعي) مجالًا خصبًا لتلاقي الإبداع الفني مع الابتكار التجاري والاختراع التقني.
 - كما ستنتقل مفاهيم مثل “الفن من أجل الفن” إلى “الفن من أجل القيمة”، دون فقدان البُعد الجمالي والثقافي.
- وبفضل ذلك كله، سيُعاد تعريف العمل والإنتاج ليشمل صناع المحتوى والفنانين والمصممين والمبتكرين ضمن منظومة اقتصادية مكتملة.
خلاصة
تمثل المستخرجات القائمة على الإبداع والابتكار والاختراع محركًا رئيسًا لنمو الاقتصاد البرتقالي، حيث ترفع مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي من خلال خلق فرص عمل، وتنويع مصادر الدخل، وتعزيز الصادرات، ودعم التنمية المستدامة، والاستفادة من التحول الرقمي والتكنولوجي. 
وكلما زاد الاستثمار في الإبداع والابتكار، تعاظمت مساهمة الاقتصاد البرتقالي في الاقتصاد الوطني، وازدادت قدرته على دفع عجلة التنمية والتنافسية في الاقتصاد العالمي.
ما يكشفه التحليل المقارن، أن هذه المفاهيم ليست مجرد مراحل أو ظواهر متجاورة، بل تمثل منظومة تكاملية لا يمكن للاقتصاد البرتقالي أن ينمو ويتطور بدونها. فالخلط أو الخلل في فهم العلاقة بينها يُفقد صُنّاع السياسات والمبدعين والمستثمرين القدرة على التفاعل البنّاء مع هذا الاقتصاد الصاعد.
وإذا كانت الاقتصادات التقليدية ترتكز على الموارد الطبيعية أو الإنتاج الصناعي، فإن الاقتصاد البرتقالي يعتمد على رأس المال الرمزي والمعرفي، مما يجعله أكثر مرونة وقدرة على توليد فرص اقتصادية مستدامة، خصوصًا في الدول النامية التي تملك مخزونًا غنيًّا من التراث والثقافة. من هنا، يصبح التكامل بين الإبداع والابتكار والاختراع أداة استراتيجية في تحقيق التحول الاقتصادي، وتقليص الفجوة الرقمية، وتمكين المجتمعات المحلية.
لقد بات من الضروري اليوم، في ظل الاقتصاد القائم على المعرفة والرمزية، أن يتم التفريق المفاهيمي بين الإبداع، الابتكار، والاختراع. هذا التمييز يسمح بوضع سياسات دقيقة تعزّز من تكامل هذه العناصر، وتحول الاقتصاد البرتقالي إلى رافد اقتصادي حقيقي. فالإبداع يُعزّز الهوية، والابتكار يُعزز التنافسية، والاختراع يُعزز التقدم التقني.

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية

OSZAR »