منذ العام 2020، شهد الدين العالمي زيادة ملحوظة بلغت نحو 25 %، متجاوزًا بذلك المستويات القياسية التي سادت قبل جائحة “كوفيد 19”. وقد كانت الاقتصادات النامية من بين الأكثر تأثرًا، إذ ارتفع متوسط ديونها بمقدار ست نقاط مئوية من الناتج المحلي الإجمالي سنويًا خلال السنوات الخمس عشرة الماضية. وتشير المعطيات التاريخية إلى أن وتيرة التراكم السريع للديون تشير إلى احتمال وقوع أزمات مالية بنسبة 50 %، وهو ما يعكس حجم المخاطر التي تحيط بالوضع الاقتصادي العالمي الراهن.
ومن أبرز التحديات الراهنة الارتفاع الكبير في أسعار الفائدة، التي تضاعفت في نصف الدول النامية. وقد أدى ذلك إلى تخصيص الحكومات نحو 20 % من إيراداتها لسداد الفوائد وحدها؛ ما أجبرها على تقليص الإنفاق على الاستثمارات الأساسية في مجالات البنية التحتية والتعليم والرعاية الصحية. ويُسهم هذا التراجع في الإنفاق التنموي في إضعاف النمو الاقتصادي المستدام وتعميق حالة عدم الاستقرار؛ ما يُضعف جهود الدول في التعافي الاقتصادي.
وعوضًا عن التصدي للأسباب الجوهرية لأزمة الديون، غالبًا ما تعتمد المؤسسات المالية وصانعو السياسات نهج تقديم قروض إضافية، على أمل أن يشهد الاقتصاد تحسّنًا تدريجيًا، غير أن الواقع يشير إلى أن العديد من الدول لا تمر بأزمات مالية ظرفية فحسب، بل تواجه حالات إفلاس فعلي تستدعي إعادة هيكلة شاملة لديونها، بدلا من الاستمرار في تراكم المزيد من الالتزامات المالية.
تظل توقعات النمو الاقتصادي العالمي محفوفة بعدم اليقين. ففي بداية العام 2025، قدّر الخبراء الاقتصاديون معدل النمو بنسبة 2.6 %، إلا أن هذا التقدير انخفض لاحقًا إلى 2.2 %، وهو معدل أدنى بشكل ملحوظ من متوسط النمو خلال عقد 2010. وفي المقابل، يُتوقع أن تُبقي البنوك المركزية في الدول المتقدمة أسعار الفائدة عند مستوى يقارب 3.4 %، وهو ما يزيد أكثر من خمسة أضعاف على المتوسط السنوي المسجّل بين العامين 2010 و2019. وتؤدي هذه الظروف إلى تفاقم الصعوبات التي تواجهها الدول ذات المديونية العالية في جذب الاستثمارات الخاصة، حيث يرى المستثمرون أن العائدات ستُستخدم في سداد الديون بدلًا من توجيهها نحو دعم التنمية الاقتصادية.
لتحقيق التقدّم، ينبغي على الدول أن تجعل خفض الدين العام من أولوياتها، خاصة تلك الدول التي تسجّل معدلات مرتفعة لنسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي. ويتعيّن على الحكومات كذلك إعادة تقييم سياساتها التمويلية، إذ إن التوسع في الاقتراض المحلي قد أسهم في تقويض قدرة القطاع الخاص على النمو؛ ما أعاق ازدهار الأنشطة الاقتصادية. وتُعد تهيئة بيئة أعمال مواتية ومحفّزة خطوة أساسية للخروج من حالة الركود وتعزيز مسار النمو الاقتصادي المستدام.
إلى جانب أهمية خفض الديون، يُعتبر تنشيط النمو الاقتصادي أمرا بالغ الأهمية. ويتوجب على صانعي السياسات التراجع عن السياسات التجارية المقيدة، والعمل على تحفيز الاستثمارات عبر تقليص الرسوم الجمركية وتبسيط الإجراءات التنظيمية. إن تعزيز بيئة استثمارية جاذبة في الاقتصادات النامية من شأنه أن يفتح المجال أمام توسع الأنشطة التجارية، ويوفر فرصًا تسهم في تعزيز الرفاه الاقتصادي.
لطالما اعتقدت الحكومات أن بإمكانها الاستمرار في الاقتراض دون أن تواجه تداعيات فورية، مستندة إلى افتراض استمرار انخفاض أسعار الفائدة بما يضمن سهولة إدارة الدين، إلا أن تلك المرحلة قد ولّت، وأصبح اعتماد سياسات مالية رشيدة ومسؤولة أمرًا بالغ الضرورة. فالدول التي تتخذ خطوات حاسمة في الوقت الراهن تستطيع أن تؤسس لقاعدة صلبة من الاستقرار المستقبلي، بينما تواجه الدول التي تؤجّل الإصلاحات خطر الانزلاق إلى أزمات مالية أعمق في المستقبل القريب.